الابتكار الاجتماعي
خمس خطوات لتعزيز الاستجابة الطارئة في قطاع التعليم

مجلة اتجاهات الأثر الاجتماعي - العدد 18

خمس خطوات لتعزيز الاستجابة الطارئة في قطاع التعليم

   مروان حيَّاني

المقدمة:

خلال العقود الماضية مرَّت العديد من الشعوب بظروف طارئة سواءً كانت طبيعية كالفيضانات أو الزلازل، أو غير طبيعية كالحروب والتهجير وغيرها، وهذه الظروف الطارئة بمختلف أنواعها تطلبت استجابات سريعة على صعيد الغذاء والصحة والمأوى والتعليم وغيرها، وذلك بهدف التقليل من الآثار الكارثية على المتضررين قدر المستطاع.

ومن خلال رصد عدد من خطط الاستجابة السريعة للطوارئ سواءً كانت محلية أو عالمية تبين أن القليل من تلك الخطط تضمن خطة استجابة للتعليم، مع ما له من أهمية بالغة في رفع الوعي وتقليل المخاطر التي يتعرض لها الطلاب في مختلف مراحلهم العمرية، ومع ذلك فإنه ينظر للتعليم على أنه أقل أهمية من باقي القطاعات كالصحة والمأوى والمياه وغيرها.

لذلك فإننا نهدف -من خلال هذا المقال- لتسليط الضوء على أهمية إدراج التعليم في أي خطة استجابة سريعة، من خلال عدد من الخطوات التي تسهم في تسهيل التخطيط للاستجابة السريعة في مجال التعليم وجعلها أكثر مرونة واستدامة، فحسب الإحصاءات الرسمية يحتاج ما يقارب 222 مليون طالب حول العالم إلى دعم عملية التعليم في بلادهم، وأكثر من 78 مليون طفل خارج المدارس لما تعرضوا له من أزمات أدت لتوقف عملية التعليم بالكامل أو تضررها بصورة كبيرة.

رغم هذه الأرقام الكبيرة، والاحتياجات التعليمية المرتفعة فإنه نادراً ما يتم الاهتمام بالتعليم وإدراجه ضمن خطط الاستجابة السريعة في مراحلها الأولى، على الرغم مما أشرنا إليه من دور التعليم في تجاوز الآثار النفسية الناتجة عن الظروف التي يتعرض لها الطلاب والتعافي المبكر منها.

خطوات الاستجابة السريعة:

E.jpg

تسليط الضوء على قضية التعليم

قبل البدء بخطوات الاستجابة السريعة لا بد من العمل الجاد لتسليط الضوء على ضرورة الاهتمام بالتعليم وإدراجه ضمن خطة الاستجابة السريعة في مراحلها الأولى (الأشهر الثلاثة الأولى)، وهذا يعد من مهام فرق التعليم الرسمية وغير الرسمية في المؤسسات الحكومية أو المنظمات الدولية والمحلية، وذلك من خلال عقد اجتماعات وورش عمل مع أصحاب المصلحة والجهات المعنية، وشرح الطرق التي يمكن للتعليم من خلالها أن ينقذ حياة الطلاب أو يقلل من معاناتهم، مثل:

  • توفير الحماية للطلاب تحت إشراف الكوادر التعليمية والإدارية في المؤسسات التعليمية مع بذل العناية الواجبة لحماية الطلاب في المواقف التي قد تعرضهم للخطر.
  • تزويد الطلاب بالمعارف اللازمة، وتدريبهم على كيفية التعامل مع بعض الظروف الطارئة، مثل: كيفية الحفاظ على سلامتهم في أثناء تفشي الأمراض، أو حدوث الكوارث الطبيعية، أو اندلاع النزاعات، بما في ذلك الحالات التي قد يصادف فيها الأطفال أسلحة غير منفجرة، أو زيادة مخاطر تعرض الأطفال للعنف القائم على النوع الاجتماعي، أو الاستغلال والعمالة والتجنيد وغيرها من الموضوعات.
  • توعية الطلاب حول أفضل الفرص التي يمكنهم من خلالها الحصول على السلع والخدمات الحيوية، مثل التغذية، وتحسين المياه، والصرف الصحي، وخدمات لم شمل الأسر، وإحالات الصحة والحماية، والدعم النفسي والاجتماعي.

ستحتاج الفرق المعنية في المجال التعليمي أيضاً إلى الموازنة ما بين التدخلات العاجلة التي لا تحتمل التأجيل، والتدخلات التي تعزز من قدرات العاملين مع الطلاب، من خلال التمويل المناسب والدورات التدريبية لإحداث أثر إيجابي للعملية التعليمية على المدى الطويل.

الخطوة الأولى: الاستعداد للاستجابة السريعة

إن الخطوة الأولى ينبغي البدء بها في الأوضاع المستقرة، أي قبل حدوث حالات الطوارئ، سواء كانت طبيعية كالفيضانات أو الزلازل، أو غير طبيعية كالحروب والتهجير وغيرها، وتعد إجراءات الاستعداد ذات أهمية بالغة لضمان تأسيس خطة استجابة مناسبة، بما في ذلك الفرق الإدارية وفرق التنسيق الميدانية، وذلك ليكون التعليم سريعاً وفعالاً في الحالات الطارئة، والاستجابة لتلك الحالات خلال الأيام الأولى من حدوثها، ولمنعها من التفاقم إلى درجة لا يمكن السيطرة عليها.

ومن الناحية العملية ينبغي أن يشمل الاستعداد تقييم الموارد المتاحة وكفاءة الخطط والعاملين الميدانيين، لتسهيل عملية تطبيق خطة الاستجابة السريعة عند الحاجة إليها.

بالإضافة إلى ذلك ستحتاج فرق العمل إلى التأكد من توفر الموارد والسياسات المناسبة المتعلقة بوضع الخطط العاجلة واستقطاب الموظفين والخبراء عند الحاجة، وإنشاء خطوط اتصال مع الجهات المانحة الرئيسية للتعليم مسبقاً، ليكونوا على استعداد عند حدوث أي طارئ، كما ينبغي تطوير خطط الطوارئ التي تعكس السيناريوهات المحتملة والاستجابات المناسبة لها، بما في ذلك المواقف التي قد تحتاج إلى إجلاء الموظفين أو الطلاب في المواقف التي يمكن أن تعرض حياتهم للخطر.

كما ينبغي أن تكون فرق الاستجابة السريعة على تواصل وتنسيق دائم مع الجهات الحكومية للاطلاع على خططها والعمل على إحداث التكامل معها قدر المستطاع، خصوصاً عند الحاجة إلى إنشاء مدارس مؤقتة في الأماكن التي يصعب الوصول إليها، وتأمين الكوادر المناسبة لتشغيلها.

الخطوة الثانية: فهم احتياجات الاستجابة السريعة

إن الخطوة الثانية يبدأ بها في الأيام القليلة الأولى من الاستجابة السريعة لحالات الطوارئ، وفي هذه الخطوة ينبغي الحفاظ على الحد الأدنى من جمع البيانات وتقييمات الاحتياجات التعليمية، مع مراعاة الظروف الخاصة بالمكان الذي ستنفذ فيه خطة الاستجابة السريعة، وكذلك إدماج الطلاب أصحاب الإعاقة أو الاحتياجات الخاصة.

إن مرحلة جميع البيانات ينبغي أن تتم بالتنسيق مع الفرق العاملة في جميع القطاعات لتقليل التكلفة وزيادة كفاءة البيانات التي يمكن أن تساهم مساهمة مباشرة أو غير مباشرة في تقديم خدمات تعليمية جيدة، كما أنه من المهم الاعتماد على المعلومات الديموغرافية الأساسية عند توفرها، بما في ذلك عدد الأشخاص المتضررين، وتصنيفهم حسب العمر والجنس والإعاقة وغيرها.

الخطوة الثالثة: تطبيق الاستجابة التعليمية السريعة

في الخطوة الثالثة تطبق خطة الاستجابة السريعة والتي يجب أن تكون مكثفة ومحددة زمنياً، ويجب أن تتضمن الأنشطة المناسبة للمرحلة الأولى من الاستجابة فحسب (الأشهر الثلاثة الأولى)، ويجب أن تصف خطة الاستجابة أيضاً العواقب الإنسانية للصدمة (استناداً إلى البيانات التي جمعت في الخطوة الأولى)، وتحدد الهدف الاستراتيجي الرئيسي للاستجابة السريعة، وتصف القدرة الفعلية على الاستجابة، بالإضافة إلى أي قيود أو مخاطر متوقعة، وتحدد ما إذا كانت آلية الاستجابة السريعة الرسمية الشاملة للتعليم مناسبة أم لا، ووصف آليات التنسيق ذات الصلة التي ستعتمدها خطة الاستجابة.

ويجب أن تتضمن خطة الاستجابة الأنشطة ذات المخرجات الواضحة، بالإضافة إلى خطة مراقبة تجمع البيانات الكمية والنوعية، وينبغي أن تنفذ الأنشطة بحسب أولويتها، فيُبدأ بالأنشطة التي تساهم في الحفاظ على حياة الطلاب قبل أي شيء، ثم ما يأتي بعدها في الأولوية من تدريبهم على إجراءات السلامة وغيرها، ولا ينبغي أن تتضمن الأنشطة في هذه المرحلة ركائز تعزيز النظام التعليمي، أو تحسين نتائج التعلم، أو تعزيز القدرة على الصمود، أو تمكين المعلمين أو غيرها، على الرغم من أن تلك الأنشطة ينبغي الاهتمام بها في أقرب وقت ممكن، بعد التأكد من بدء العملية التعليمية واستقرارها.

الخطوة الرابعة: المناصرة وحشد الموارد من أجل الاستجابة السريعة

في الخطوة الرابعة يحشد التأييد العام لمناصرة عملية التعليم ضمن خطة الاستجابة السريعة، إذ تعد المناصرة ذات أهمية بالغة في بداية حالة الطوارئ التعليمية سواءً كانت جديدة أو متصاعدة، من أجل تسليط الضوء على ما يجري، وجمع الأموال من الجهات المانحة، وضمان إدراج التعليم في استجابة المرحلة الأولى، وهذا ما سيساهم في ضمان استمرار عملية التعليم دون توقف لأطول مدة ممكنة.

ومن المهم التواصل والتنسيق مع الجهات المحلية والدولية، كمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة في وقت مبكر، لتسهيل تبادل المعلومات بصورة أفضل وتعبئة الموارد بسرعة لتخفيف المعاناة عن المتضررين وتأمين الاحتياجات التعليمية الأساسية.

الخطوة الخامسة: مراقبة الاستجابة السريعة

في الخطوة الخامسة والأخيرة بعد التأكد من أن عملية التعليم قد بدأت بالفعل، وأن كافة الاحتياجات الرئيسية قد أمِّنت، وتلقي التمويل اللازم لها من المهم أن ترصد العمليات الجارية بهدف مراقبة وتقييم الوضع القائم، من خلال جمع البيانات ونشر الاستبيانات للمستفيدين، مع رصد التحديات التي تواجه خطة الاستجابة، كصعوبة الوصول إلى بعض المناطق، أو القيود الأمنية المفروضة، والإمكانات المحدودة للفرق الميدانية المحلية وغيرها، وهذا ما يساعد على تكوين كم من البيانات والمعلومات التي تساعد على تقديم خطة استجابة تعليمية مستدامة قدر المستطاع، وكذلك الاستفادة منها في حالات أو ظروف طارئة مشابهة في نفس المكان أو في أماكن أخرى.

الخاتمة:

في الختام نؤكد أن الأساس في نجاح خطة الاستجابة هو في خلق وعي مجتمعي عام حول أهمية التعليم وضرورة إدراجه في أي خطة استجابة، بالإضافة إلى الاستعداد الجيد، وفهم الاحتياجات، وتطبيق الخطة بأفضل صورة ممكنة، ثم حشد المناصرة والتأييد، ومراقبة تنفيذ خطة الاستجابة للتأكد من تحقيقها للهدف المرسوم لها.

كما أنه لا بد من التأكيد على ضرورة مراعاة خصوصية المكان الذي تنفذ فيه أي خطة استجابة، وجعلها مرنة وقابلة للتعديل حسب الظروف التي تفرضها البيئة المحلية، ومراعاة الأعراف والتقاليد السائدة، لأن ذلك سيساهم في نجاح خطة الاستجابة التعليمية وتقبلها وانتشارها وتحقيق الأثر المرجو منها.

شارك هذا المقال

تواصل معنا

نرحب بكافة استفساراتكم وتساؤلاتكم...